متفرقات

لبنان…”بلاد ما بين الحربيْن” تُعانِد الجنوح نحو الأسوأ

بدا لبنان في ضوء مجريات الميدانِ والديبلوماسية في الأيام الأخيرة أشبه بـ «كبسولةٍ هائمةٍ» في فضاءٍ هائجٍ تزداد مَظاهرُ انعدامِ الجاذبيةِ فيه. فالحربُ تشتدّ وطأةً على جبهته الجنوبية المفتوحة على غزة ومآلاتها الغامضة مع «اللعم» (لا ونعم) الاسرائيلية لصفقةِ الرئيس الأميركي جو بايدن اللاهث وراء «إنجاز»، والحربُ السياسية على جبهة انتخاب رئيسٍ للجمهورية تَمْضي في تفكيك الدولة واستنزاف المبادرات الدولية والاقليمية وحتى المحلية لكسْرالمأزق، وهو الحال الذي آل إليه المسعى الفرنسي وتَحَرُّكُ سفراء مجموعة الدول الخمس.

فلبنان في الحربيْن تحوّل الساحةَ الأكثر اختباراً لمشروعٍ إقليمي اسمه «الممانعة» ويتقدّمه «حزب الله» الذي كان بادَرَ في 8 أكتوبر إلى إلحاق جنوب لبنان بغزة في إطار «حرب المساندة»، والذي يُمْسِكُ بـ «الفيتو» الذي يَحول منذ 18 شهراً دون انتخاب رئيسٍ للجمهورية في إطار صراعٍ عميق حول «التحكم والسيطرة» على مفاصل الدولة الرئيسية، الأمر الذي يترك البلادَ في مهبّ الصراعات (والمقايضات) الكبرى التي تحتدم في الاقليم وعليه في لحظةٍ انعطافيةٍ تضع المنطقةَ برمّتها على كفّ تحوّلات تاريخية.
ورغم أن «بلادَ ما بين الحربيْن» تُعانِد رفْع الرايات البيض عبر ملاقاة موسم الصيف – الذي توعّدت تل أبيب بأن يكون «ساخناً» مع لبنان – باجتراحِ مبادراتٍ لضخّ مظاهر الحياة والصمود عبر احتفالية عامرة وواعدة من شأنها استقطاب الاغتراب وما تَيَسَّر من سياحةٍ لتحريك العجلة الاقتصادية، فإن لعبةَ «الماء والنار» آخذةٌ في الغليان مع ارتفاع مستوى المواجهات بين «حزب الله» واسرائيل فوق مسرح العمليات المحكومِ بقواعد اشتباكٍ تتمدّد حيناً وتنكمش أحياناً على وقع ميدان غزة وصواعقه الموصولة بساحاتٍ رديفة في مقدّمها جنوب لبنان – شمال اسرائيل.

باقري كني

وتترقّب بيروت اليوم وصولَ وزير الخارجية الإيراني بالإنابة علي باقري كني لإجراء مباحثات مع كبار المسؤولين وقيادة «حزب الله»، لتكون هذه أول محطة رسمية لمسؤولٍ إيراني في الخارج بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان ورفاقهما في حادث تحطم مروحيتهم، علماً أن باقري كان أعلن السبت عن «جولة محتملة إلى سورية ولبنان في إطار التشاور من أجل تضافر جدي للجهود في مواجهة جرائم الصهاينة من خلال المناقشات التي يتم إجراؤها مع سلطاتِ هذه البلدان وكذلك مع حركات المقاومة».

وإذ تأتي زيارة باقري كني امتداداً للمحطات «الدورية» لعبد اللهيان، فإنّ «إطلالته الرسمية» من بيروت تحمل في رأي أوساط سياسية رسائل متعددة الاتجاه، في الشكل حول حجم «ارتياح» طهران للحضور الوازن لها في لبنان انطلاقاً من نفوذ «حزب الله» الذي نَجَحَ في تطويع جديد وأعمق للواقع المحلي لأجندته العابرة للحدود من خلال إعلانه «حرب المشاغَلة» مع اسرائيل تحت «قوس» محور المقاومة، وفي المضمون الذي أعطى «رؤوس أقلام» عنه المسؤول الإيراني نفسه بكلامه عن أن «طهران لعبت وما زالت دوراً محورياً ومهماً في مقاومة الشعب الفلسطيني وتصديه للعدوان الصهيوني، وتسعى كما محور المقاومة لإعادة الاستقرار والسلام الى المنطقة عن طريق رفض التحريض وإشعال المنطقة».

وفي الوقت الذي كانت صحيفة «جيروزاليم بوست» تحاول «تفكيكَ شيفرةِ» تصعيدِ «حزب الله» عملياته في الوقت الذي تضغط الولايات المتحدة وفرنسا لوقْف النار في غزة والذي توعّدتْ «حماس» بحرب «استنزاف» للجيش الإسرائيلي، مستخلصةً «أن ما يحدث هو جزءٌ من حملة ضغط شاملة لإظهار أن«محور المقاومة» يحقق النجاح وأن طهران تسعى إلى «تطويق إسرائيل» عبر «مجموعات من الأذرع الوكيلة وتنفيذ العديد من الهجمات على جبهات مختلفة»، مضى الحزب أمس في الارتقاء بعملياته التي وثّقت «العدّادات» الاسرائيليةُ أنها شهدتْ في مايو الماضي قفزةَ هي الأعلى حيث «نفّذ («حزب الله») 325 هجوماً، وبلغ المتوسط اليومي للهجمات 10 في مقابل 238 هجوماً في أبريل وبمعدل 7.8 هجوم في اليوم».

«التوازن الجغرافي»

وفي تَتَبُّعٍ للخط البياني لعمليات «حزب الله» في الأيام الأخيرة، اعتبرت دوائر قريبة من «الممانعة» أنها تأتي تحت عنوان تكريس معادلات من نوع «التوازن التدميري» و«التوازن الجغرافي». وتبسيط هذه المعادلة هو«المسافة بالمسافة»، و«التدمير بالتدمير»، و«المناطق بالمناطق»، والفوسفوري«بما يماثله»، واستهداف المدنيين بـ«حرق كريات شمونة»ودفْع مَن بقي من مستوطنين فيها إلى الرحيل عنها. ولا يفوت هذه الدوائر الإشارة إلى أن «مثلثاً» قديماً – جديداً ارتسم بقوة في الساعات الماضية على قاعدة أن إسقاط «حزب الله» مسيَّرة تردّ عليه اسرائيل في البقاع، ليردّ الحزب في الجولان السوري المحتلّ.

وفي إسقاطٍ لهذه القراءة على الميدان، يمكن تفسير ما حملتْه المواجهات أمس وقبْله، على وقع إصدار الإعلام الحربي التابع لـ«حزب الله» بياناً أعلن فيه أن العملية رقم 2000 التي نفّذها منذ بدء المعركة في الجنوب كانت إسقاط المسيّرة«هرمز 900»(أول من أمس) التي نشر مقطعاً مصوّراً عن كيفية «اصطيادها».

فغداة استهداف اسرائيل بلدة قلد السبع في بعلبك في ردّ ٍغير معلن على إسقاط الـ «هرمز 900» (وهي خامس مسيّرة يُسْقِطها الحزب، بين هرمز 450 و900)، شنّ«حزب الله» أمس «هجوماً جوياً بِسرب من المسيَّرات الانقضاضية على مقر كتيبة الجمع الحربي في ثكنة يردن في الجولان المحتل»، حيث استهدف«رادار القبة الحديدية فيها وأماكن استقرار وتموضع ضباطها وجنودها»، معلناً أنه «أصاب الأهداف بدقة، ما أدى إلى تدمير الرادار وتعطيله وإيقاع الضباط والجنود بين قتيلٍ وجريح».

ولاحقاً أعلن أنه «رداً على اعتداء العدو الذي طال منطقة البقاع، قصف مجاهدو المقاومة الإسلامية الأحد بِرمايتين متتاليتين مقر قيادة فرقة الجولان 210 في ثكنة نفح بعشرات صواريخ الكاتيوشا»، قبل أن يُعلن عن حرائق ضخمة في مستوطنة كتسرين (في الجولان) جراء استهدافها بصواريخ لم يتم اعتراض أي منها بسبب استهداف الحزب لمنظومة القبة الحديدية في ضربة سابقة. وقد أعلنت القناة 12 العبرية عن«إطلاق نحو 10 صواريخ من لبنان باتجاه شمال الجولان دون دوي صفارات الإنذار».

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى