إيران تصعّد لإنقاذ ذراعها في لبنان!
كانت الكلمة التي أدلى بها نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم مهمة لفهم حالة الحزب الراهنة.
فالضربات القاسية التي تعرض لها أثرت كثيراً على سياسة الحزب وخياراته الاستراتيجية. فقد عكست بالدرجة الأول طغيان الخيار الإيراني الراغب في أن يستمر قتال ذراعه في لبنان مهما كلف الأمر في مرحلة التفاوض تحت النار حول مسائل عدة، أهمها الرد الإسرائيلي، بمداه وعنفه وأهدافه، إضافة الى أن الإيراني يعتبر أن التصعيد الكبير في لبنان والذهاب نحو حرب شاملة بين الحزب وإسرائيل هو الوسيلة الوحيدة من أجل إنقاذ الأول من عملية سحق عسكري.
فنظرية الإيرانيين تقوم على التالي: قاتلوا بكل الوسائل، وصعّدوا الى أقصى حد لأن خيار الحد من التصعيد سيخدم إسرائيل المرتاحة من نتائج الضربة الأولى، وتدمير رأس الهرم القيادي في الحزب. من هنا خطورة الوضع علماً بأنه ما إن غادر رئيس مجلس الشوري الإيراني لبنان حتى ارتفعت وتيرة الاشتباك من جهة “حزب الله”، ووجهت ضربات قاتلة الى أحد المعسكرات الإسرائيلية. وذلك للتدليل على أن إيران دخلت على خط إنقاذ “حزب الله”، بدءاً من تسلم القيادة المباشرة على الأرض، وتوجيه الاشتباك الاستراتيجي.
وطهران ترى أن الاشتباك المنضبط سينتهي بتحطيم الماكينة العسكرية للحزب. ولذلك ومن أجل التسريع بوقف إطلاق النار الذي وحده ينقذ الحزب، ينبغي إيصال الحرب الى أعلى درجات الخطورة.
وبناءً على ذلك فلنتوقع استهدافات لتل أبيب، وربما نحو محيط منشآت استراتيجية اقتصادية وعسكرية. فإيران لا تستطيع تحمّل سقوط “حزب الله” لا في الحرب ولا في السياسة. بمعنى أن معنى وجود الحزب هو دوره العسكري-الأمني قبل أي شيء آخر. وبالتالي لا يمكن لطهران أن تقبل بهزيمة عسكرية ساحقة للحزب تنهي دوره العسكري – الأمني، ولا يمكن أن تقبل بأي تفاوض سياسي داخلي في لبنان للبحث في استراتيجية دفاعية بهدف إنهاء دور الحزب العسكري-الأمني، لصالح مشروع الدولة في لبنان. ولعل الخطر الكبير اليوم ناجم عن اصطدام كبير وعنيف بين تل أبيب وطهران حول مصير “حزب الله”. ويُستنتج من ذلك أن الحرب ستكون قاسية لكون إسرائيل انتقلت بحربها من الاشتباك المتوسط الوتيرة بهدف إعادة سكان الشمال الى منازلهم وتطبيق القرار ١٧٠١.
إن المطروح اليوم ما عاد تنفيذ القرار ١٧٠١ ولو بحذافيره، بل شطب الوظيفة الإقليمية العسكرية-الأمنية لـ”حزب الله” من خلال تغيير الواقع على الحدود الشمالية على المدى الطويل. وقد يمر ذلك عن طريق محاولة إخراج سكان الجنوب اللبناني من قراهم وبلداتهم ومدنهم (النبطية) لآماد طويلة تخلق مع الوقت واقعاً جديداً. هذا هو الخطر الكبير الذي تمثله الحرب الراهنة. وعلى العكس من القضية الفلسطينية لا يمتلك “حزب الله” دعماً سياسياً، أو معنوياً، أو شعبياً في العالم العربي أو الغرب. ولن تتسبب حربه مع إسرائيل بنزول ملايين المتظاهرين في العالم دفاعاً عنه. فهو معزول تماماً بشكل شبه تام. ويكاد يوضع على مجموع لوائح الإرهاب في العالم العربي والغرب عموماً. كما أن حالة الحزب في الداخل ليست مرضية أبداً.
فالمعارضة أكبر بكثير مما يتصور من بقي من قيادات الحزب.
وعلاقات بيئة الحزب بسائر البيئات الأخرى أسوأ مما يُعتقد.
ما سبق يشير الى أن جميع العروض لوقف إطلاق النار التي تقدّم بها نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم في كلمته الأخيرة ستذهب هباءً منثوراً. والميدان سوف يحدد المستقبل. فهل ينجح الإيرانيون في إنقاذ وليدهم في لبنان؟ هذا هو الامتحان الكبير.
المصدر: النهار