خاص العشائر نيوز

سنة الأطراف نهج المستقبل باق الإقصاء والاستبعاد والتهميش المستمر

منذ استقلال لبنان عام 1943، شكّلت الطائفية السياسية إطارًا عامًا لتوزيع السلطة بين الطوائف والمناطق، إلا أن هذه القسمة لم تكن عادلة داخل الطائفة الواحدة نفسها. فبينما تركز التمثيل السني في بيروت وبعض المراكز الحضرية، تعرّض سنة الأطراف—في الجنوب والبقاع وعكار—لتهميش واضح وممنهج، رغم أنهم يشكلون جزءًا أساسياً من النسيج السني اللبناني. وكان لهذا التهميش أثر عميق على مستوى التمثيل السياسي والاقتصادي والاجتماعي لهذه المناطق، التي بقيت على هامش القرار السياسي الرسمي، رغم مساهمتها الفاعلة في المراحل المصيرية من تاريخ لبنان.

لطالما كان سنة الأطراف عماد التوازن السياسي السني في لبنان، سواء عبر دورهم الأساسي في المقاومة السياسية في مراحل معينة، أو من خلال حضورهم الوازن في الساحات، كما حصل في 14 شباط 2005 عندما امتلأت الشوارع بأبناء الأطراف دعماً لانتفاضة الاستقلال، فيما تم استغلال هذا الزخم لاحقاً لخدمة مراكز القوى السياسية السنية. ورغم هذا الدور، لم يحظَ سنة الأطراف بأي تمثيل حقيقي في مؤسسات الدولة، لا سيما في الحكومة، حيث لم يتم تعيين أي وزير من سنة الجنوب منذ استقلال لبنان، بينما شهدت عكار والبقاع تمثيلاً خجولاً كان آخره في ثمانينيات القرن الماضي.

مع صعود تيار المستقبل في تسعينيات القرن الماضي بقيادة الرئيس الراحل رفيق الحريري، رسّخ هذا التيار الهيمنة على القرار السني، مغيّبًا بشكل شبه كامل سنة الأطراف عن مواقع القرار. فقد تمحور تمثيل الطائفة السنية حول المنتفعين ، مع منح بعض الفتات لمناطق أخرى للحفاظ على التوازنات الداخلية ضمن الطائفة. ورغم أن تيار المستقبل حاول تقديم نفسه كحامل لمشروع تنموي وطني، إلا أن سياساته عززت التفاوت بين المركز والأطراف، حيث بقيت مشاريع التنمية والخدمات ، بعيدةعن المناطق الطرفية والتي عانت من الإهمال والحرمان.

في الانتخابات النيابية، اعتمد تيار المستقبل على أصوات سنة الأطراف لحصد الأغلبية داخل الطائفة، لكنه لم يقدّم أي ضمانات بتمثيلهم في الحكومة أو المؤسسات الأساسية، حيث استمر احتكار الحضور السني في الدولة ضمن دائرة ضيقة من السياسيين اصحاب المصالح المشتركة مع قيادة التيارأو من يدور في فلكهم. أما حين احتاج التيار إلى تثبيت شرعيته الشعبية، كما في محطات مثل 2005 أو 2011، فقد لجأ إلى تعبئة أبناء الأطراف في الشارع، لكن دون أن يترجم ذلك إلى حضور فعلي لهم في مراكز القرار

إن استمرار هذا النهج من الإقصاء والتهميش أدى إلى تعميق الشرخ داخل الطائفة السنية نفسها، حيث شعر أبناء الأطراف أنهم مجرد أدوات تستخدم عند الحاجة ثم يتم الاستغناء عنها. وقد أسهم هذا الواقع في خلق حالة من النقمة في أوساط سنة الأطراف، تجلت في انحسار التأييد الأعمى لتيار المستقبل وتنامي الشعور بالحاجة إلى تمثيل سياسي أكثر عدالة. كما أن غياب التنمية عن هذه المناطق دفع بالعديد من أبنائها إلى البحث عن بدائل سياسية جديدة، عبر الانخراط في خيارات أخرى

إن إعادة التوازن إلى المشهد السني في لبنان تتطلب مراجعة جذرية للسياسات التي استبعدت سنة الأطراف عن القرار السياسي، وتقتضي الاعتراف بدورهم الأساسي في تشكيل المعادلة الوطنية. فلا يمكن الاستمرار في نهج يجعل الغنم محصورًا بفئة معينة والغرم موزعًا على الجميع، ولا يمكن لطائفة أن تنهض وهي تعاني من انقسام داخلي على أساس جغرافي ومناطقي.

المطلوب اليوم هو تمثيل سياسي حقيقي لسنة الأطراف، سواء في مجلس الوزراء أو في المؤسسات الأخرى، وإعادة الاعتبار لهذه المناطق عبر مشاريع تنموية تعوض الحرمان التاريخي الذي عانت منه. كما أن القوى السياسية السنية الناشئة يجب أن تتبنى رؤية أكثر شمولية تمتد من الجنوب إلى عكار، وأن الجميع يجب أن يكون شريكًا في القرار، لا مجرد تابع

إن استمرار تهميش سنة الأطراف لم يعد مقبولاً، خاصة في ظل التغيرات العميقة التي يشهدها لبنان. فهذه الفئة دفعت ثمن كل التحولات السياسية، لكنها لم تجنِ أي مكاسب، وهو ما يجعل الحاجة ملحّة لإعادة النظر في المعادلة السنية الداخلية، بحيث تكون أكثر عدالة وتعبّر عن الواقع الحقيقي للطائفة على امتداد الجغرافيا اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى