سياسة

جعجع في قداس شهداء زحلة: لاستعادة الدولة سلطتها والا لا نتيجة لأي إصلاح

وطنية – أكد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، أن “هناك حديثا في الآونة الأخيرة عن إصلاحات في المجالات كافة: إصلاحات في المجال القضائي، إصلاحات في المجال الاقتصادي، إصلاحات في قطاع المصارف، إصلاحات في ما يتعلق بمحاربة الفساد، وغير ذلك، لكن هذه الإصلاحات كلها لا يمكن أن تنجح، ولا يمكن أن تعطي أي نتيجة قبل حصول الإصلاح الأول، ألا وهو استعادة الدولة سلطتها وسيادتها، باعتبار أنه ما لم تكن هناك دولة فعلية، فلا إصلاح يمكن أن يعطي أي نتيجة”.

كلام جعجع، جاء عقب قداس شهداء زحلة، الذي أحيته منسقية “القوات” في مقام سيدة زحلة والبقاع بعنوان “زحلة بعيونكن”، ترأسه راعي أبرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم ابراهيم، وعاونه راعي أبرشية زحلة المارونية المطران جوزيف معوض، راعي أبرشية زحلة والبقاع للسريان الأرثوذكس المطران مار يويستينوس بولس سفر ممثلا بالأب جورج بحي، راعي أبرشية زحلة بعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس المتروبوليت أنطونيوس الصوري ممثلا بالأب أفرام حبتوت ولفيف من الكهنة.

شارك في القداس النائبان جورج عقيص والياس اسطفان، الوزير السابق سليم وردة، النائب السابق طوني أبو خاطر، رئيسة “الكتلة الشعبية” ميريام سكاف، الأمين العام لحزب “الاتحاد السرياني” ميشال ملو، رئيس التجمع الزحلي العام جوزيف مسعد،  رئيس غرفة الصناعة والتجارة في زحلة نبيل التيني، رئيس جمعية تجار زحلة زياد سعادة، عضو الهيئة التنفيذية في  “القوات” ميشال التنوري والأمين العام  اميل مكرزل، منسق منطقة زحلة في  “القوات” آلان منير، المنسقون السابقون ميشال فتوش، طوني القاصوف وشارل سعد، رئيس جهاز “الشهداء والأسرى والمصابين” في “القوات اللبنانية” شربل ابي عقل، المرشح لرئاسة بلدية زحلة المعلقة سليم غزالة وفاعليات.

جعجع

وقال جعجع متوجها إلى أهالي زحلة: “أعتقد أنكم من ناحيتكم، ومن موقعكم، رأيتم كيف أنه بعد عقود من التأخير، انتشر الجيش اللبناني على حدود لبنان الشرقية مع سوريا. ولكن ينبغي ألا يكتفي بالانتشار، بل أن يبسط سلطته بالكامل، ويطبق القانون بالكامل على الجميع، إذ لا فضل للبناني على آخر إلا بقدر التزامه القانون”، مشددا على أن “هذه المسيرة مسيرة طويلة حتما، ولكن على الأقل، بدأت الآن”.

وتابع: “لم يصح الصحيح فحسب ورحل الأسد، بل رحل الأسد، ومن بعده بقليل أو قبله بقليل، رحل معظم ودائعه، والقسم المتبقي من ودائعه يستعد للرحيل، وبدأت مسيرة بناء الدولة الفعلية في لبنان، هذه الدولة الفعلية التي نناضل منذ عقود للوصول إليها. هذه الدولة التي لا حياة لنا من دونها. هذه الدولة التي نحلم بها منذ زمن طويل. والآن بدأت مسيرة الوصول إلى هذه الدولة الفعلية، اللهم أن يبذل المسؤولون، وخصوصا الكبار منهم، جهدهم لتسريع هذه المسيرة، كي نصل في أقرب وقت ممكن إلى الدولة الفعلية”.

أضاف: “شعب لبنان نشيط ومنتج، ولم يكن يوما شعبا متسولا أو خاملا أو عاطلا عن العمل، ولكن إلى جانب ذلك، لبنان بحاجة إلى أصدقاء خارجيين، كما هو حال دول العالم كلها، حيث لا توجد دولة في زمننا هذا قادرة بمفردها على فعل شيء”، وقال: “رأيتم كيف أن الولايات المتحدة نفسها، بسبب مجموعة من الرسوم، وهي الدولة العظمى ذات الاقتصاد الأكبر في العالم، واجهت ردات فعل من الجهات كلها، ووجدت نفسها في حالة من الحصار، وإن كان حصارا معنويا في الوقت الراهن”.

تابع: “لا أحد منا قادر على الاستمرار أو على إنجاز شيء في هذه الأيام من دون أصدقائه. ونحن لحسن الحظ لدينا أصدقاء، لدينا أصدقاء عرب، ولدينا أصدقاء في الغرب، لا ينقصنا الأصدقاء أبدا، وهؤلاء الأصدقاء أكدوا مرارا وتكرارا نيتهم في مساعدة لبنان، لكن مساعداتهم كلها مشروطة بقيام الدولة الفعلية. فإذا لم تكن أنت جادا، فلا تتوقع من أحد أن يساعدك. إذا لم تساعد نفسك، فلا تتوقع من أحد أن يساعدك. وبالتالي، فإن كل النهضة الجديدة التي ننتظرها، والتي ينتظرها الشعب، رهن بإثبات الدولة وجودها، وأن تكون دولة فعلية، وبالتالي أن تبسط سلطتها وسلطانها على الأراضي اللبنانية كلها”.

وشدد على أن “هذا ليس مطلبا أجنبيا، أو مطلب احد معين في الخارج يريده، أو أنه ناجم عن ضغط الإسرائيليين كما يحاول البعض تصويره، بل هو مطلب لبناني بحت يخصنا نحن، وكان ينبغي أن يتحقق منذ ثلاثين عاما، منذ إقرار اتفاق الطائف. فقد كان من المفترض أن تبسط سيادة الدولة بعد ستة أشهر من إقرار الطائف، وهذه الأشهر الستة انتهت ثلاثين مرة، وما زلنا ننتظر أن تبسط الدولة سيادتها، بقواها الذاتية، على أراضيها كلها وعلى قراراتها كلها”، وقال: “أتمنى على المسؤولين، وخصوصا المسؤولين الكبار، أن يأخذوا هذا الأمر في الحسبان، وإلا، وللأسف، سنبقى في الوضعية التي نحن فيها. فالمستقبل كله مفتوح أمامنا، والطرق كلها أصبحت مفتوحة أمامنا، والمهم أن نسلكها”.

أضاف:”في نهاية المطاف، وبعد هذا المسار كله، أعود إلى شهدائنا. المسار برمته أثبت، وخصوصا في وجه المترددين والمشككين، أنه مهما طال الزمن لن يصح إلا الصحيح.  فقد أثبت هذا المسار أنه في لحظات الحسم، في الأوقات الحرجة، للحفاظ على كرامتك، على حريتك، على أرضك، لا بد من المواجهة. وعندما يضطر الإنسان إلى المواجهة، عليه أن يواجه. الانسحاب من المواجهة أو محاولة تجنبها تعني الاستسلام الكامل، وهذا الاستسلام، لم يعرفه أهالي زحلة يوما، بل كانوا دوما، عند الخطر، قوات”.

وقال:”سيدنا المطران ابراهيم ابراهيم، إني أعتبر حضوري بينكم نعمة وبركة وشرفا، أن أستطيع كل عام أن أشارك في القداس الذي يقام لراحة أنفس شهداء زحلة. وفي الوقت نفسه، أود أن أقول لك يا سيدنا، وأقول لجميع الحضور، إنني دائما أتعلم من زحلة، أتعلم من زحلة ومن الزحالنة، وخصوصا أتعلم منهم وعيهم التاريخي، أتعلم منهم تمسكهم بالإيمان، وأتعلم منهم استعدادهم الدائم للدفاع عن حريتهم، للدفاع عن كرامتهم، للدفاع عن أرضهم مهما كان الثمن. لقد دفعت زحلة والزحالنة ثمنا كبيرا، لكن من خلال هذا الثمن الذي دفعوه، ظلوا متمسكين بتاريخهم، حافظوا عليه، وظلوا في أرضهم، وحافظوا عليها، كما حافظوا على زحلة في التاريخ والجغرافيا، وحفظوا لها مكانة في وجدان كل لبناني، سواء كان في أرض لبنان أو في بلاد الانتشار”.

تابع:”في جبل لبنان، من يريد أن يصبح مقاوما أو ينتمي إلى القوات، يفكر ويتخذ القرار ثم يتعلم كيف يكون قواتيا. أما في زحلة، فالأمر لا يحتاج إلى كل هذه المراحل، فالشخص يولد من رحم أمه مقاوما وقواتيا. كل إنسان من بيننا هو ابن تاريخه، ابن الجغرافيا التي يعيش فيها، وابن معاناته. ومن هذا المنطلق، في زحلة ليس على الشخص أن ينضم إلى القوات، بل يولد فيها قواتيا”، معتبرا أن “احتفالنا هذا العام ليس كسائر الأعوام، بصراحة، احتفالنا هذا العام له طعم خاص، له معنى خاص، لأنه بالدليل المباشر، وإن بعد حين، لم يصح إلا الصحيح. فبعد خمس وأربعين سنة، رحل الأسد وبقيت زحلة”.

وقال: “زحلة، في نظر الأسد الأب أو الأسد الابن، كانت دائما شوكة في أعينهم، لم يتركوا وسيلة إلا وحاولوا بها إخضاع زحلة. حاصروها، مارسوا عليها الضغوط بمختلف الأساليب ومن الجهات كلها، اعتقلوا أبناءها، جروا رجالها بل وحتى نساءها إلى أقبية التحقيق والتعذيب، لكن كما قلت، إن ذلك كله لم يجد نفعا. ظلت زحلة هي زحلة، وفي نهاية المطاف رحلوا هم، وبقيت زحلة”، مشددا على أن أرض المقاومة لا يمكن في يوم من الأيام أن تتحول إلى أرض استسلام، وهكذا بقيت زحلة أرض مقاومة بلا أي استسلام”.

أضاف:”شهداؤنا هذا العام سيكونون مسرورين جدا، لماذا؟ لأنهم، من جهة، ليسوا متفاجئين باللحظة التي نعيشها الآن. شهداؤنا، منذ اللحظة التي استشهدوا فيها، كانوا يعلمون لماذا استشهدوا، وإلا لما منحهم الله القوة على الشهادة، كانوا يعلمون ما الذي سيحدث، ويعلمون الأسباب. اليوم، سيكونون من جهة ثانية مسرورين لأن جميع المشككين والمترددين، وجميع ذوي الوجوه الصفر الذين كانوا يلومونهم، كيف يواجهون وكيف يقاومون، أصبح واضحا لديهم الآن لماذا استشهد من استشهد، وأصبح واضحا للجميع أنه، مهما طال الزمن، لن يصح إلا الصحيح. ولكن، وإن أدرك الكثيرون اليوم هذه الحقيقة، فلن يكون لهم أي طوبى، لأنه طوبى للذين آمنوا ولم يروا. شهداؤنا وقواتنا آمنوا منذ الأيام الأولى من دون أن يروا، وظلوا مؤمنين، والآن بعدما رأوا، سيظلون مؤمنين إلى أبد الآبدين، آمين”.

ولفت  إلى أن “شهداءنا سيكونون سعداء اليوم أيضا لأنهم يعلمون كم تألم آباؤهم وأبناؤهم وأقاربهم وأحباؤهم لفراقهم. وبعد الأحداث كلها التي وقعت، فقد ساهمت هذه الأحداث، في مكان ما، في مداواة جزء ولو صغير من جراح الفقد، ألم الفقد، الذي أصاب هذه العائلات إثر استشهاد أبنائها. ولهذا السبب، سيكون شهداؤنا اليوم مسرورين”.

وتوجه الى القواتيين في زحلة بالقول: “أود أن أقول لكم في هذه المناسبة: يعطيكم ألف عافية. إنني أعتبر أن مرور خمس وأربعين سنة على غياب شهدائنا هو محطة أساسية لا بد من التوقف عندها. أقول لكم: يعطيكم ألف عافية على كل شيء، يعطيكم ألف عافية على السنوات الخمس والأربعين التي مرت. سيدنا، في هذه السنوات الخمس والأربعين استشهد شباب، ولكن هناك شبابا وصبايا أكثر منهم، واصلوا، وواصلوا، وواصلوا، وظلوا مؤمنين في وقت عز فيه الإيمان، وقل فيه الإيمان. ظلوا مؤمنين طوال الوقت، قبل أن يروا شيئا، وقبل أن يتأكدوا من أي شيء. ظلوا يناضلون على الدوام، رغم الاضطهادات والظروف الصعبة كلها التي مررنا بها، سواء في زحلة أو في لبنان عموما، سواء تمثلت هذه الاضطهادات في اعتقالات أو في سجون، أو احيانا في اغتيالات، كما حصل معنا أخيرا، منذ نحو سنة، مع استشهاد رفيقنا باسكال سليمان”.

ختم: “أود أن أقول لكم إن ما تقومون به الآن وتواصلونه، هو عمل بالغ الأهمية. في الوقت الذي يرتاح فيه الجميع ربما في بيوتهم، تكونون أنتم مجتمعين، تتناقشون، تتداولون الرأي، لتروا ما هو الأصلح لقراكم، لأحيائكم، لمدينتكم، ولوطنكم. لكن ما أود أن أشكركم عليه بشكل خاص، هو أنكم آمنتم طوال الوقت من دون أن تروا. المجد والخلود لشهداء زحلة الأبرار، عاشت زحلة، عاشت القوات اللبنانية، ليحي لبنان”.

العظة

وخلال القداس تلا الرسالة النائب جورج عقيص، وبعدما تلا المطران معوض الإنجيل المقدس، ألقى المطران إبراهيم العظة، وقال: “إخوتي أصحاب السيادة السامي احترامهم، المطران جوزيف معوض، والمتروبوليت أنطونيوس الصوري، والمطران بولس سفر، أصحاب السعادة النواب، منسقية منطقة زحلة في القوات اللبنانية، وجميع الفعاليات الحاضرة، إخوتي الكهنة والرهبان والراهبات، أيها الأحبة، إخوتي وأخواتي في المسيح، في حضرة السيدة العذراء، سيدة زحلة والبقاع، وفي مدينة الدم الطاهر، دم الشهداء الذي سقى ترابها، نقف اليوم لنفتخر، لننحني إجلالا، لنصمت احتراما. نقف اليوم حيث الحجارة تهمس بأسماء الشهداء، وحيث النسيم يحمل حكاياهم، وحيث السماء نفسها تفتح أبوابها لأرواح من اختاروا الحياة عبر الموت، والقيامة عبر الصليب”.

تابع: “الشهادة ليست موتا عابرا، بل موقف سماوي، هي فعل حب مطلق، وفعل حرية مطلقة. هي فلسفة الجسد الذي يقول لا للموت، وبأن يصير الموت طريقا إلى الخلود. الشهادة في الفكر المسيحي ليست انتحارا من أجل قضية، بل اتحادا بالصليب، حيث يصبح الدم كلاما، والصمت صراخا، والتراب إنجيلا يكتب بالدم. في قلب الشهيد يسكن المسيح، وفي نظراته قبس من نور القيامة، وفي جراحه تتفتح معاني الفداء”.

أضاف:”شهداء زحلة لم يكونوا عشاق موت، بل عشاق وطن. لم يطلبوا المجد، بل استجابوا للنداء، حين صمت الجميع. اختاروا أن يبقوا على خطوط النار، ليبقى لبنان على خارطة الزمن. أولئك الذين ماتوا، لم يموتوا… فمن يسقط دفاعا عن زحلة، ينهض مع كل فجر فيها. من يقتل على أبوابها، يسكن في أجراس كنائسها، وفي قمح واديها، وفي ضوء سهرات أهلها”، لافتا الى ان “شهداء زحلة ليسوا ذكرى تحيى، بل هوية تحمل، ومسؤولية تحفظ، ووصية تترجم إلى مواقف. زحلة ليست مدينة وحسب، زحلة نشيد يرتل في وجه الخوف، هي قصيدة تكتب بالنار أحيانا، وبالكرامة دائما. هي قلب لبنان النابض، لا لأن جغرافيتها في الوسط، بل لأن تاريخها صليب، وناسها شهود، وإيمانها لا يقهر”.

وقال: “زحلة كانت ولا تزال، خط الدفاع عن البقاع، عن الحرية، عن المسيحية المشرقية، عن لبنان الذي يشبه البشارة أكثر مما يشبه المزرعة. ومن هنا، من هذا المقام المقدس، حيث العذراء تنظر إلينا بعينين من حنان وسيف، نفهم كيف يصبح الإيمان مقاومة، وكيف تصبح الأم مدرسة أبطال. من هذا التل، لا يرفع تمثال فحسب، بل يرفع شعب بأكمله. من هنا، يبدأ الرجاء، حين يظن الآخرون أن الظلام قد انتصر”.

تابع: “زحلة يا عروس الدم والنور، يا من ارتفع المجد من ترابك، لا من قصور. فيك كل شهيد صار نبيا، فشهداؤك لم يقتلوا، بل أقيموا، لم يندحروا، بل انتصروا. كتبوا بالدم ما لم تكتبه آلاف الخطب”، وأشار إلى أننا “نرفع صلاتنا اليوم، لأم الشهداء، سيدة زحلة، أن تحفظ هذه المدينة من كل شر، أن تعانق أمهات الشهداء بيدها الحنون، وأن تزرع في قلوب أولادنا الشجاعة نفسها التي حملها آباؤهم. في هذا النهار، نكتب بدمع العزة على ضريح كل شهيد: “لم تمت… بل قمت!” ونهمس في أذن زحلة: “أنت لست وحدك… فشهداؤك معك، يسيرون في طرقاتك، يصلون في كنائسك، ويغنون لك مرنمين من عليائهم”.

ختم: “فلنحمل مشعلهم، ولنصن تضحيتهم، ولنعلن للعالم: زحلة لم تهزم… ولن تهزم. لأن فيها من كتبوا بالدم نشيد الحياة. آمين”.

منير

وكان منسق زحلة في “القوات” آلان منير قد القى كلمة استهلها بالقول: “يا أبناء زحلة الأوفياء، يا شعبا مجبولا بعزة الكرامة ومجد التضحية، نجتمع اليوم في هذه المناسبة المباركة، حيث تتلاقى الأرض بالسماء، وحيث تعانق أرواح الشهداء نبض زحلة المدينة الصامدة”.

تابع: “زحلة بعيونكن هو عنوان هذه السنة، لأنه من واجبنا قبل أن نبصر زحلة بأعيننا، أن نراها بعيون شهدائنا. زحلة بعيونكن… ليست مجرد كلمات، بل مرآة تعكس أمانة التاريخ ومسؤولية المستقبل. فبأي عيون نرى زحلة اليوم؟ هل نراها كما رآها شهداؤها، عالية، شامخة، ترفض الانحناء؟ هل نراها كما حلم بها شهداؤنا…. قوية، حرة، صلبة، صامدة؟”

أضاف: “اذ نقف أمام ذكراهم، لا يكفي أن نبكيهم، بل علينا أن نرى زحلة بعيونهم: مدينة تستحق أن تحمى، أن تبنى، أن تزدهر، أن تبقى على صورتها الأولى، كما أرادوها، وكما قاتلوا من أجلها”، لافتا الى أن  “زحلة بعيون الشهيد، ليست مجرد مدينة، بل هي رسالة خطت بالدم، وصلاة رفعتها الأرواح إلى العلي، هي الجدار الذي تحطمت عليه أطماع الأسد، والراية التي لم تنحن يوما إلا للرب. كثيرون منا يعطون من مالهم ووقتهم، لكن قلة هم أولئك الذين يقدمون أنفسهم ذبيحة فداء عن غيرهم على مذبح الوطن”.

وأشار الى أن “اليوم ولأول مرة، تحل ذكرى حرب زحلة المجيدة بلا ظل الأسد. لأول مرة، منذ أربعة وأربعين عاما، ها هي زحلة ترفع رأسها من جديد، لا لتكرم شهداءها فحسب، بل لتشهد على سقوط من اعتقد أن قبضته أبدية. ها هو التاريخ ينصفها. سقط النظام الذي حاصر المدينة، تهدمت عروش المخابرات التي أذلت الأحرار، وسمع صدى صلوات أمهات الشهداء في سماء دمشق. عدالة السماء لا تموت… قد تتأخر، قد تصمت طويلا، لكنها حتما لا تخطئ”.

وشدد على أن “زحلة ليست ورقة في مهب التسويات. زحلة، لا يمكن أن تكون إلا وفية لمن حافظوا عليها وافتدوها بأرواحهم. والقوات اللبنانية ليست حزبا عابرا. القوات اللبنانية هي الدرع الذي لم ينكسر، هي الشرف الذي لم يساوم عليه. بها ومعها، ومع كل من يتلاقى معنا بالفكر والرؤية… زحلة تكون بأمان ولن تكون لقمة سائغة في أفواه الطامعين”.

وتوجه الى الزحليين قائلا : “أيها الزحليون، لا تخذلوا شهداءكم، لا تفرطوا بزحلة التي أرادوها قلعة للصمود. حين تقفون في لحظة صنع القرار، تذكروا أن أصواتكم هي أمانة الشهداء، وخيار المستقبل. لا تخطئوا البوصلة، لا تضيعوا الاتجاه. اجعلوا خياركم زحلة… ليس الخيار الأول بل الخيار الوحيد”، مؤكدا أننا لا “نبحث عن زعامة، ولا عن مراكز، ولا عن مناصب.نحن هنا لأجل مصلحة زحلة، لنرفع رأسها عاليا، لنعيدها إلى مجدها، إلى حيث تستحق، ونمد يدنا  لكل من يرى زحلة كما نراها، لكل من يعرف قيمتها ولكل من يحبها، والوفاء لزحلة يجمعنا”.

واستذكر محاولة اغتيال جعجع قائلا : “لا يمر 4 نيسان من كل سنة إلا ونتذكر المحاولة السافرة لاغتيال الحكيم عام 2012. منذ دخوله العمل السياسي ومقاومته لكل مشاريع الاحتلالات الغريبة عن لبنان، ومحاولات إلغائه معنويا وجسديا لم تتوقف. العناية الإلهية جنبته وجنبت لبنان خسارة لا تعوض. من قال إن الله لا يتدخل في صناعة تاريخ الشعوب والأوطان؟ الله يحميك، حكيم.”

أضاف: “الشهيد اليوم بيننا، نعم بيننا، يسمعنا ويخاطبنا من عليائه ويقول: “يا أهلي، أنتم الذين حملتم اسمي، أنتم الذين سكنتموني في ذاكرتكم، لا تطفئوا شعلة الشهادة، لا تجعلوا تضحياتنا تذهب مع رياح النسيان. زحلة أمانة في أعناقكم، احفظوها حرة كما عهدتها، صامدة كما تركتها، عظيمة كما رسمتها في دمي. لا تساوموا على دمائنا، لا تترددوا لا تخطئوا الاختيار في ساعة القرار، فإن الأمانة كبيرة، والمسؤولية أكبر. أنا هنا لم أرحل بعيدا، عمري بعمر الأرز وروحي تحلق حولكم أرافقكم في ليالي الظلمة وأهمس لكم حين تشتد الصعاب”.

وتوقف عند حادثة اغتيال باسكال سليمان قائلا :”السنة الماضية بمتل هالليلة ب6 نيسان انخطف رفيقي باسكال سليمان واستشهد وكان في يكون حيلا واحد منا. بعدني لليوم ما بعرف شو يلي صار معي، من بعد استشهادو صار الخوف صفر ونزلت مع رفاقي لاقينا جثمان الشهيد ببحر من الزحليين والملقى كان مميز بين الروح الطاهرة وأبطال زحلة. باسكال العدالة آتية”.

أضاف :”رفيقي المناضل، لا تستسلم، لا تهادن. إن تعبت، فتذكر أننا بدأنا هذا الطريق معا، وأن روحي ستكون إلى جانبك، تهتف معك، وتشد على يدك. وإن شعرت بالوحدة والخذلان، فانظر من حولك، ستجدني في عيون كل من يؤمن بأننا نستحق وطنا حرا، وسنحصل عليه، أو بالأحرى، بدأنا بالحصول عليه.  “إلى أهالي الشهداء… زحلة بعيونكن هي الحكاية التي تروى للأحفاد عن رجال لم يتراجعوا، وعن إرث لن يطمس أبدا. نعاهدكم أن تبقى زحلة منبع النخوة والشهامة والرجال. إلى الجيل الشاب… زحلة بعيونكن هي المستقبل، هي الأمانة المعلقة في أعناقكم، وهي التحدي الذي عليكم أن تخوضوه بصلابة الإيمان ونقاوة الانتماء. إلى المسؤولين والسياسيين وممثلي الأحزاب… زحلة بعيونكن أمانة، فإما أن تكونوا على قدرها أو يحاسبكم تاريخها وأهلها… والتاريخ أثبت أن “الزحالنة شاطرين بالحساب”. وإلى الكنيسة… زحلة بعيونكن رسالة الإيمان، واجبكم التاريخي اليوم هو الحفاظ على هويتها لتظل كما عرفناها “مدينة الكنائس”. وإلى كل الزحالنة… زحلة بعيونن كانت فصونوها انتو بعيونكم”.

وحيا روح الرفيق بيار الصقر قائلا : “زحلة بعين الصقر… بيار الصقر، يا شهيد الكرامة، منك تعلمت الكثير. كنت تخاطر بحياتك خلف خطوط العدو، للتصوير وجمع المعلومات. أليست صورة الدبابات المحترقة على جسر المعلقة هي من صنع عدستك التي وثقت ملاحم البطولة لمعركة زحلة؟ كن مطمئنا يا صقر، والتحق بسرب الأفياء على تلال صنين، إلى جانب أرواح الشهداء، لأننا لشهادتكم أوفياء، ونحن جنود القضية والحرية.”

ختم : “يا زحلة، نجمك عالي ما بينطال وبعيون شهدائك أنت فجر الكرامة، وبعيون أبنائك الأحياء أنت الوعد والعهد. فيك نعيش، لأجلك نحيا، وبك ننتصر. المجد للشهداء، عشتم، عاشت زحلة، عاشت القوات اللبنانية، وعاش لبنان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى