عون لوفد أميركي: ســـلاح الحزب يُحل بالحوار واشنطن تؤكّد حضورها لبنانيــــاً وباريس متمسكة بالسيادة
كتبت صحيفة “الجمهورية”: مرّت غيمة الموفدة الأميركية مورغان اورتاغوس، وانشغلت مختلف الأوساط الداخلية في التنقيب عن النتائج الحقيقية التي انتهت إليها زيارتها إلى بيروت. واللافت في هذا السياق، تركيز المقاربات الاعلامية والسياسية التي تناولت هذه الزيارة على الشكل، وتقاطعها على قراءة ليونة علنية في الخطاب الذي اعتمدته اورتاغوس في المقرّات الرئاسية، ولكن مع تشدّد في مضمون الملفات التي تضعها الإدارة الأميركية في رأس قائمة أولوياتها في لبنان.
ما من شك انّ زيارة اورتاغوس احتلت على مدى اليومين اللذين استغرقتهما، صدارة المتابعة السياسية والتداول الإعلامي، ولكن ما قيل عن ليونة في الشكل وتشدّد في المضمون، لا يجيب بالتأكيد عن السؤال الذي لم تنتهِ صلاحيته بعد: لماذا حصلت الزيارة، وماذا أُريد منها في هذا التوقيت بالذات، وماذا حققت؟ وخصوصاً انّ اورتاغوس، وكما أجمعت المعلومات حول محادثاتها مع المستويات الرسمية، لم تقدّم أي طرح مستفز للجانب اللبناني، ولاسيما حول موضوع التطبيع مع إسرائيل، وهي نفسها قالت إنّها لم تطرح هذا الامر مع أي مسؤول لبناني، كما لم تمارس أيّ ضغط لإلزام لبنان بالموافقة على تشكيل لجان التفاوض مع إسرائيل حول النقاط الخمس والأسرى والحدود، بل ثمة حديث عن عودة إلى تجربة المفاوضات التي قادها آموس هوكشتاين في محطات سابقة. وأكثر من ذلك، لم تطرح ما يُلزم لبنان ببرنامج زمني لنزع سلاح «حزب الله».
تأكيد الحضور والدور
لم تقرأ مصادر سياسية خبيرة بالسياسة الأميركية أي نتائج جوهرية لزيارة أورتاغوس، وقالت لـ«الجمهورية»، انّ «زيارة اورتاغوس تُختصر بأنّ الغاية منها لا تعدو أكثر من تأكيد متجدّد للحضور والدور الأميركي في لبنان، حيث تعتبر واشنطن نفسها اللاعب الأول والأوحد على المسرح اللبناني، والمدير لكل السياسات فيه. وكذلك توجيه رسالة حثّ مباشرة وعاجلة للعهد الرئاسي الجديد والحكومة الجديدة على التعجيل بإنجازات في مسار الإصلاحات الاقتصادية، وهو ما قالت اورتاغوس صراحة بأنّها خطوات مطلوب تنفيذها من لبنان ليثبت جدارته في أن تكون الولايات المتحدة الأميركية شريكاً مساعداً له، ودون هذه الإجراءات لن يحظى لبنان بهذه الشراكة، وبمعنى أوضح لن يحظى بالمساعدات التي ينتظرها لإعادة إنهاض نفسه، وخصوصاً تلك المرتبطة بملف إعادة إعمار ما هدّمه العدوان الاسرائيلي».
ولفتت المصادر عينها إلى انّه «بعيداً من التنظيرات التي يتحمس لها البعض في لبنان، فمما لا شك فيه انّ نزع سلاح «حزب الله» هدف استراتيجي للولايات المتحدة الأميركية، ولكن خلافاً لما سبق وصول أورتاغوس إلى بيروت، لم تطرحه في لقاءاتها بالمسؤولين كبند عاجل التنفيذ، ويُقرأ ذلك في إطلالتها الإعلامية التي أعادت تكرار الموقف الأميركي التقليدي القديم – الجديد من سلاح «حزب الله»، ولكن من دون ان تتحدث عن جدول زمني لنزع السلاح. وكان لافتاً في هذا السياق ايضاً إعلانها انّها لم تطرح ملف التطبيع مع أي من المسؤولين اللبنانيين. ما يعني انّ اورتاغوس تجنّبت إثارة أي ملفات حساسة لإدراكها انّ الوضع اللبناني لا يحتملها في هذه المرحلة او حتى في مراحل اخرى».
يُضاف إلى ذلك، تقول المصادر «إنّ اورتاغوس لم تقدّم أي التزام قاطع بممارسة أي ضغوط على إسرائيل؛ سواء حول وقف الاعتداءات الاسرائيلية، او الانسحاب من النقاط الخمس التي تحتلها، وهذا يعني انّ الوضع باقٍ على مراوحته السلبية في دائرة التوتر لمدى زمني مفتوح، علماً انّ جهوداً تُبذل على اكثر من خط خارجي لإعادة إحياء اجتماعات لجنة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار».
إيجابية دائمة أم موقتة؟
إلى ذلك، أبلغ مصدر مطلع عن كثب على أجواء محادثات اورتاغوس إلى «الجمهورية» قوله: «انّ هناك فارقاً كبيراً جداً ما بين زيارتها الحالية وزيارتها السابقة، لقد كنا بالفعل أمام شخص آخر قارب أمور البحث بهدوء ملحوظ. ونحن تعاملنا بالمثل ومن هنا كان الجو ايجابياً».
ورداً على سؤال عمّا إذا كانت الإيجابية دائمة ام موقتة، نصح المصدر عينه «بعدم الوقوع في خطأ التحليلات والتفسيرات المتسرّعة، فما نأمله ان تكون هذه الإيجابية دائمة وليست موقتة، مع اني شخصياً أرجّح الإيجابية الموقتة، وخصوصاً انّ هدوء نبرة الموفدة الأميركية لا يعني حصول تطور او تبدّل في الموقف الأميركي المتصلّب حيال مجموعة الملفات، بل كان يغلّفه. ومن جهتنا بادلناها الليونة بمثلها، وعرضنا كل ما لدينا بكلّ صراحة وتفصيل، والتركيز الاول والأخير كان من قبلنا على إعادة إنهاض البلد مع ما يتطلّب ذلك من إجراءات إنقاذية وإصلاحية، وتحقيق كل ما يحفظ أمن وسيادة لبنان، وحمل الإسرائيلي على وقف اعتداءاته والانسحاب من المناطق المحتلة».
مناورة!
ورداً على سؤال لـ«الجمهورية» قال مسؤول رفيع: «أي كلام عن إيجابية يصبح واقعاً في حال لمسنا هذه الإيجابية بالفعل. جو المحادثات بالفعل كان مريحاً، ولا نقول إنّ هناك تبدلاً قد حصل في الموقف الأميركي، فربما استجابت الموفدة الاميركية لنصائح قبل مجيئها بعدم إثارة المواضيع بطريقة صدامية، بل عبّرت عنها بطريقة اخرى، يعني لا تغيير في الموقف الاميركي، بل تغيير في اسلوب التعاطي مع الملفات. ولذلك ما زلت في قرارة نفسي، آمل الّا تكون في أفق الخطاب الهادئ الذي لمسناه مناورة تخديرية، تليها عاصفة من الضغوط السياسية أكثر شدّة وقساوة، وخصوصاً حول ملف سلاح «حزب الله».
زيارة مفصلية
وفي السياق ذاته، اعتبرت مصادر سياسية سيادية أنّ زيارة أورتاغوس حملت رسالة واضحة إلى لبنان بأنّ لا خلاص له من أزمته سوى إنهاء «حزب الله» ونزع سلاحه الذي يوفّر الذرائع لاسرائيل لاستمرار عدوانها على لبنان، ويشكّل العائق الأساس امام نهوض البلد».
وكشفت المصادر وفقاً لما تأكّد لها من المحادثات مع اورتاغوس، «انّ لبنان امام فرصة جدّية لإجراء الإصلاحات والعودة إلى سابق عهده من الاستقرار والازدهار، فالاصلاحات مطلب لبناني وعربي ودولي، وواشنطن تضع ثقلها في هذا المجال، والسبيل الوحيد الى تحقيق هذه الاصلاحات هو إنهاء الحزب ونزع السلاح بصورة عاجلة، وفي تقديرنا إن تمّ هذا الأمر فإنّه سيفتح الباب واسعاً على تدفق المساعدات العربية والدولية».
وقالت تلك المصادر: «لبنان دخل فعلياً في مرحلة جديدة، وفي مستقبله تحوّلات جذرية ستحصل، وعلى ما بات مؤكّداً فإنّ الولايات المتحدة بدأت في هذا المسار وستستكمله، وربطاً بذلك، ينبغي أن يُقرأ جيداً ما صدر عن الخارجية الاميركية قبل يومين، وتأكيدها بأنّ واشنطن لن تسمح لـ»حزب الله» بالاستمرار في أسر لبنان. وعلى الحكومة اللبنانية ان تحزم أمرها وتتحمّل مسؤوليتها في هذا المجال».
اورتاغوس مرتاحة
الى ذلك، أعربت أورتاغوس عن سعادتها بالعودة إلى لبنان للقاء الرئيس عون، ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ووزير الخارجية يوسف رجي.
ولفتت السفارة الاميركية في بيان امس، الى ان أورتاغوس أبدت في كل لقاءاتها، ارتياحها للنقاشات الصريحة حول دفع لبنان نحو حقبة جديدة، ما يعني نزع سلاح حزب الله بسرعة، وتطبيق إصلاحات للقضاء على الفساد، وقيام حكومة منفتحة وشفافة، ليحظى جميع اللبنانيين بالايمان والثقة في دولتهم.
عون وبري .. وماكرون
وكان لافتاً في الساعات الماضية إعلان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من القاهرة أنّه «متمسك بسيادة واستقرار لبنان، ويجب احترام وقف إطلاق النار». فيما حضرت مختلف التطورات التي شهدها لبنان في الساعات الثماني والأربعين الماضية في اللقاء الذي عُقد أمس بين رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري في القصر الجمهوري في بعبدا. وبحسب المعلومات الرسمية فإنّ الرئيسين عون وبري بحثا في الأوضاع العامة، ولا سيما التطورات في الجنوب، إضافةً إلى نتائج زيارة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إلى لبنان.
وفد أميركي
إلى ذلك، جال وفد من مجموعة العمل الاميركية من أجل لبنان برئاسة ادوارد غابريل على رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام. وقال رئيس الوفد انّه يحمل رسالة من واشنطن تؤكّد على ضرورة نزع سلاح «حزب الله» وإجراء الإصلاحات اللازمة لحصول لبنان على المساعدات المالية، وانّ واشنطن تتطلع الى ان تتمّ التغييرات على هذا الصعيد بشكل سريع.
وقال الرئيس عون للوفد «انّ الإصلاحات وسحب السلاح مطلبان لبنانيان كما هما مطلبان للمجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية، ونحن ملتزمون العمل من اجل تحقيقهما». وأشار الى انّه وقَّع قانون السرّية المصرفية الأسبوع الماضي، وقد باشرت الحكومة بمناقشة قرار هيكلة القطاع المصرفي نهار الجمعة الفائت، ومن المقرر أن تستكمل البحث فيه غداً. وقال: «إنّ بناء الثقة هو خطوة بدأنا بها بالفعل».
وجدّد التأكيد على إلتزام لبنان بالقرار 1701، بشكل كامل، مثنياً على عمل «اليونيفيل» في قطاع جنوب الليطاني، ومشيراً الى الخروقات الإٍسرائيلية لإتفاق وقف إطلاق النار. وكشف أنّه «بالنسبة للشمال من نهر الليطاني، فقد قمنا بالفعل بتفكيك ستة مخيمات كانت تحت سيطرة مجموعات فلسطينية خارج المخيمات. والآن، أصبحت خالية، وتمّت مصادرة أو تدمير الأسلحة الموجودة فيها».
وأكّد الرئيس عون على انّ الأولوية هي لتخفيف حدّة التوتر في الجنوب. وقال: «الإرادة موجودة. و»اليونيفيل» تقوم بعملها على أكمل وجه. لكن علينا أن نأخذ في اعتبارنا أنّها تتحمّل الكثير من المسؤوليات»، مشدّداً على «انّ لبنان بحاجة الى الوقت والمساحة لحل الأمور بروية»، ومشيراً الى انّ «بقاء إسرائيل في النقاط الخمس التي أحتلتها لن يكون مفيداً للبنان لكن يعقّد الوضع اكثر، لذلك نطالب الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل للإنسحاب منها».
ورداً على سؤال حول رؤيته لطريقة سحب سلاح «حزب الله»، أكّد الرئيس عون «أهمية اللجوء الى الحوار. وكما قلت في خطاب القَسَم، لا يوجد مكان لأي أسلحة، أو أي مجموعات مسلحة، إلّا ضمن إطار الدولة. والمسائل تُحلّ بالتواصل والحوار. ففي نهاية المطاف، «حزب الله» هو مكون لبناني». وقال: «نحن سنبدأ قريبًا في العمل على صياغة استراتيجية الأمن الوطني، التي تنبثق منها استراتيجية الدفاع الوطني».
سلام
اما الرئيس سلام فقال للوفد الأميركي «إنّ الحكومة مصممة على تطبيق خطتها للإصلاح ومواصلة العمل لحصر السلاح في يد الدولة وبسط سلطتها على كامل أراضيها».
وأشار سلام إلى أنّ «الإصلاحات المالية انطلقت من خلال مشروع قانون رفع السرّية المصرفية ومشروع اصلاح القطاع المصرفي، إضافة إلى إقرار آلية للتعيينات الإدارية، والتي دخلت حيز التنفيذ من خلال فتح الباب للترشح لتعيين رئيس مجلس الإنماء والإعمار». وجدّد تأكيده «التزام الحكومة حصر السلاح في يد الدولة، استناداً إلى ما ورد في البيان الوزاري وبسط سيادة الدولة على كل أراضيها بقواها الذاتية وفق ما ورد في اتفاق الطائف، وبتطبيق القرار 1701، بكل مندرجاته»، وقال: «إنّ الجيش اللبناني يقوم بدور كبير في الجنوب ويستكمله بالاتجاه الصحيح».
الجنوب وقائد الجيش
في سياق متصل، وفيما واصلت إسرائيل اعتداءاتها على المناطق اللبنانية، وجديدها أمس كان استهداف محل لبيع الإطارات على طريق الطيبة – العديسة، وسيارة في بلدة بيت ليف قضاء بنت جبيل، وكذلك استهداف مسيرة اسرائيلية لسيارة رابيد ودراجة نارية على طريق الدردارة – سهل الخيام، ما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى، اعلن قائد الجيش العماد رودولف هيكل خلال استقباله نقيب المحررين جوزف القصيفي «أنّ الجيش اللبناني ملتزم بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701، وقرار وقف إطلاق النار الصادر عن هذا المجلس، وهو منتشر في منطقة جنوب الليطاني ويقوم بمهماته دون إبطاء أو معوقات بالتعاون الكامل مع المجتمع الجنوبي في تلك المنطقة».
ولفت إلى أنّ «انسحاب العدو الإسرائيلي يجب أن يتمّ اليوم قبل الغد من المناطق التي يحتلها، لأنّ هذا الانسحاب يؤدي إلى الاستقرار ويوطد حضور الدولة الفاعل في كل المناطق اللبنانية». وأكّد أنّ الأمن في الداخل هو تحت السيطرة بالتنسيق مع سائر الأجهزة الأمنية اللبنانية.
وعن التطوع في الجيش، أشار إلى أنّ هذه العمليات تتواصل إنفاذاً لقرارات مجلس الوزراء لكي تستقر على 6 آلاف متطوع، واوضح بأنّ «المساعدات للجيش اللبناني، لا تزال الدول الصديقة التي توفر الدعم للجيش، على التزامها ونتمنى أن يتوسع هذا الدعم».