اللبنانيون الفقراء 33٪ والسوريون 81٪: أيّ دقة في أرقام البنك الدولي؟
ليست المرة الاولى التي يتناول فيها البنك الدولي موضوع الفقر في لبنان من زاوية التقييم السنوي للمؤسسة الدولية لمؤشر الفقر المتعدد الأبعاد، الذي يُظهر كل عام إرتفاعاً متدرجاً في النسب، وتحديداً منذ اندلاع الحرب في سوريا وبدء تدفق النازحين في الأعوام الاولى لها إلى لبنان بوتيرة متسارعة، بدأت بسبب الظروف الامنية الخطيرة وتحولت في ما بعد إلى نزوح اقتصادي نظراً إلى فرص العمل المتوافرة في لبنان.
يحاول التقرير، الصادر تحت عنوان ” تقييم وضع الفقر والإنصاف في 2024، التغلب على ازمة طال أمدها”، توثيق الحالة الراهنة للفقر وعدم المساواة في البلاد، وأثر الأزمة الاقتصادية والمالية على الأسر، وديناميكيات سوق العمل، معتمداً على دراسة استقصائية للأسر أُجريت بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بين كانون الأول 2022 وأيار 2023، وشملت اللبنانيين والسوريين وغيرهم من جنسيات اخرى (باستثناء الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات) في خمس محافظات في لبنان. وشملت البيانات التي تم جمعها الخصائص الديموغرافية، والتعليم، والتوظيف، والصحة، والنفقات، والأصول والممتلكات، والدخل، واستراتيجيات التكيف، بما في ذلك خفض معدل استهلاك الغذاء والنفقات غير الغذائية، فضلاً عن خفض النفقات الصحية، مع ما قد يترتب عليه من عواقب وخيمة على المدى الطويل.
وكشف التقرير زيادة كبيرة في معدل الفقر النقدي من 12% في العام 2012 إلى 44% في 2022 في المناطق التي شملتها الدراسة، مسلطاً الضوء على التفاوت في توزيع الفقر في لبنان، اذ وصل مثلاً المعدل إلى 70% في عكار، حيث يعمل معظم السكان في قطاعيي الزراعة والبناء.
ومع النمو السريع للاقتصاد النقدي المدولر، تجد الأسر اللبنانية التي تحقق دخلاً بالدولار نفسها قادرة على المحافظة على قدرتها الشرائية، فيما الأسر التي لا تستطيع الحصول على الدولار تجد نفسها معرضة بشكل متزايد لمخاطر تصاعد وتيرة التضخم. وقد أصبحت التحويلات الواردة من الخارج دعامة اقتصادية مهمة، حيث ارتفعت من معدل 13% من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2012 و2019 إلى نحو 30% في عام2022 (ويعود ذلك جزئياً إلى عدم زيادة الناتج المحلي الإجمالي بصورة حقيقية). ولهذه التدفقات المالية دور متزايد الأهمية في منع سقوط شريحة من السكان في الفقر. وكان لافتاً ان شريحة أوسع من الأسر تشعر بأنها باتت اكثر فقراً مقارنة بما يتم قياسه موضوعياً باستخدام البيانات. لذلك عندما طُلب من الأسر تصنيف وضعها الاقتصادي اعتبرت نفسها إما فقيرة وإما فقيرة جدا، بما في ذلك ما يقارب 30 في المئة من الأسر التي تشغل اعلى 20 في المئة من سلّم التوزيع.
يكتسب التقرير أهمية لجهة تسليطه الضوء على وضع الأسر السورية التي تضررت بشدة من جراء الأزمة، وذلك على نحو يبين ان النازحين لا يتمتعون بمستوى جيد من المعيشة رغم كل المساعدات الدولية التي يتلقونها، اذ يبين التقرير ان نحو 9 من كل 10 سوريين يعيشون تحت خط الفقر في عام 2022، و45% من هذه الأسر تستهلك معدلات من المواد الغذائية أقل من المعدلات المقبولة. ويعمل معظم السوريين في سن العمل في وظائف منخفضة الأجر وأقل استقراراً في القطاع غير الرسمي، مما يسهم في إفقارهم وانعدام الأمن الغذائي.
لا توافق جهات لبنانية رسمية على الأرقام التي أوردها التقرير، مشيرة إلى أن ثمة مبالغة فيها لجهة اعتبار ان واحدا من كل ثلاثة لبنانيين يعيش في الفقر، وتعزو ذلك إلى تفاوت المستوى المعيشي بين منطقة وأخرى، بحيث يؤدي المعدل العام للعينة إلى نتيجة مماثلة.
والواقع، وفي مقارنة لتقارير سابقة للبنك الدولي، يكشف تقرير مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان لعام 2019، اي تاريخ بدء الأزمة المالية والمصرفية وانهيار العملة الوطنية، ان 53،1 في المئة من جميع السكان كانوا يعانون الفقر المتعدد الأبعاد (التعليم، الصحة، الامن المالي، البنية التحتية ومستويات المعيشة) لأنهم كانوا محرومين في اكثر من 25 في المئة من هذه المؤشرات، فيما قدر التقرير عينه نسبة الذين يعيشون في الفقر المدقع بـ 16،2 في المئة.