احذروا الإشاعات “المشبوهة” عن تخزين الدولار
تسري منذ أيام موجة تحذيرات في بعض الأوساط المالية من بين الخبراء في الشؤون الاقتصادية والمالية ومن الصيارفة الكبار وغيرهم، باتت أقرب إلى الإشاعات، عن مخاطر محدقة بالدولارات المخزّنة في المنازل، بظل الكلام عن توقعات بهبوط الدولار عالمياً، وأن استقرار سعر صرف الدولار على الصعيد العالمي مهدَّد في المرحلة المقبلة، أو أن الدولار سيشهد مرحلة من التضخم ستنعكس على قيمته وكل الاقتصادات على مستوى العالم.
اللافت في موجة الإشاعات تلك، أنها مرفقة بنصائح للّبنانيين بالتخلص من الدولار النقدي المخزّن في المنازل لأنه سيفقد من قيمته مع موجة التضخم التي ستلحق بالدولار عالمياً، أو على الأقل تصريف قسم من الدولار المخزّن والتنويع في الاستثمار والإدخار. فما هي الحقيقة من وراء تلك الأخبار؟ وهل فعلاً يجب التخلّص من الدولارات المخزّنة اليوم في المنازل واستثمارها في مجالات أخرى؟ وهل هناك من يدفع في اتجاه تصريف الدولار المخزّن في المنازل وضخّه في السوق لغايات لا تزال غامضة لغاية الآن، وربما تكون “مشبوهة”، بهدف لمّها و”شفطها” من السوق استعداداً لمرحلة صعبة مقبلة؟
الخبير الاقتصادي والمالي البروفسور جاسم عجاقة، يلفت إلى أن “النصيحة بالتنويع في الاستثمار تعتبر قاعدة أساسية و” conseil de base”. بمعنى أنه كي لا يأخذ المستثمر على نفسه المخاطرة بالاستثمار في اتجاه واحد وربما يخسر أو يفشل في استثماره، عليه أن ينوّع، من أبسط الاستثمارات والمجالات إلى أكبرها. على سبيل المثال، حتى بائع القهوة والشاي في الأكشاك وعلى الأرصفة وفي المنتزهات والمناطق السياحية، خدمته قد تكون مطلوبة بشكل كثيف ومربح في فصل الشتاء، لكن في الصيف، من مصلحته طبعاً أن يبيع أكثر البوظة وعصير الفاكهة والمرطبات، وقِس على ذلك. بالتالي، التنويع في الاقتصاد مبدأ أساسي ومعروف وليس اكتشافاً جديداً”.
يضيف عجاقة، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني: “صحيح أنه يجب عدم تخزين الدولار النقدي في المنازل بكميات كبيرة بل تنويع أوجه الإدخار والاستثمار، كما أشرنا، إنما ليس للأسباب التي يخوّف البعض الناس منها، أي لأن الدولار سيتراجع عالمياً وسيشهد موجة هبوط وتضخم وما شابه، إنما لأسباب أخرى، منها أننا مقبلون ربما على مرحلة قد يُطلب فيها من صاحب الدولارات المخزّنة إثبات مصدرها وشرعيتها إذا أراد استثمارها في أي مجال. بالتالي، من لا يتمكن من تبرير مصدر أمواله ودولاراته بالوثائق والمستندات، من الطبيعي ألا مصلحة لديه أبداً في تخزينها بل بشراء العقارات أو الشقق أو الذهب أو المجوهرات أو غيرها”.
يتابع: “لكن من يملك الوثائق التي تبرّر مصدر أمواله ودولاراته وشرعيتها وقانونيتها، فلا مشكلة لديه ولا أحد يمكن أن يطاله بشيء ويمكنه أن يخزّنها كما يشاء، مع احترام مبدأ التنويع في الاستثمار والإدخار لتخفيف المخاطر كما أوضحنا”، لافتاً إلى أنه “ربما من المستحسن في زمن الأزمات، كالحالة التي نعيشها، أن يحتفظ المرء بكمية من الأموال والدولارات النقدية للتصرف في حال الطوارئ. فما النفع مثلاً إن كان لديك كيلو ذهب ووقعت الحرب؟ أين تبيعه لتحصل على دولار نقدي لتتصرف وتواجه هذا الوضع الطارئ؟. بينما إن كنت تملك المال “الكاش” بشكل شرعي وقانوني، يمكنك مثلاً الانتقال فوراً وشراء أو استئجار منزل في منطقة آمنة بعيدة عن الاشتباكات والأحداث، أو حتى شراء تذكرة سفر ومغادرة البلاد”.
أما بشأن التحذيرات من هبوط الدولار عالمياً، فيشير عجاقة، إلى أنه “بداية، الدولار يبقى العملة الأقوى في العالم لعشرات السنوات المقبلة، فالاقتصاد الأميركي ضخم جداً ويشكل لوحده أكثر من ربع الاقتصاد العالمي، من هنا ما يحصل في أميركا ينعكس على العالم كله. فنحو 60% من احتياطيات المصارف المركزية في العالم هي بالدولار، و60% من الاستثمارات بأسواق الأسهم في العالم موجودة في بورصة نيويورك، والصين واليابان مثلاً تحملان سندات خزينة بالدولار الأميركي بنحو تريليون دولار لكل منهما، بالإضافة إلى الاستثمارات السعودية ودول الخليج وغيرها. بالتالي، من الطبيعي أن تتأثر اقتصاديات العالم بأسره بأي تضخم للدولار، لكن هذا لا يعني أن يهرع اللبنانيون للتخلص من دولاراتهم المخزّنة بناء على توقعات بهبوط الدولار عالمياً، بل أن يتصرفوا على النحو الذي أشرنا إليه”.