سياسة

حكومة الرئيس سلام تفتقد الشرعيات السنية الثلاث الشعبية النيابة والدينية

يُشكِّل التمثيل الوزاري في لبنان أحد الركائز الأساسية لضمان التوازن الطائفي والمناطقي، وفقًا للدستور واتفاق الطائف، الذي شدد على أهمية احترام ميثاق العيش المشترك وتمثيل مختلف القوى الفاعلة في بيئاتها. إلا أن التشكيلة الحكومية المقترحة من قبل الرئيس المكلف نواف سلام تعكس خللًا واضحًا في هذا التوازن، لا سيما في ما يخص التمثيل السني، حيث تفتقر الأسماء المطروحة إلى الشرعية الشعبية والنيابية والدينية والمناطقية، في تناقض صارخ مع معايير التمثيل المعتمدة لبقية الطوائف والمكونات.

غياب الشرعية الشعبية والنيابية والدينية

إن التشكيلة المسربة تُظهر أن الوزراء السنة الأربعة المقترحين لا يحظون بأي قبول شعبي أو دعم سياسي من القوى الفاعلة في الساحة السنية. فالقوى الأساسية التي تمتلك الشرعية الشعبية ضمن الطائفة، مثل تيار المستقبل وتجمع العشائر العربية والجماعة الإسلامية والأحباش، جميعها مستبعدة من الحكومة، ما يعني أن الأسماء المطروحة لا تعكس إرادة الشارع السني. كما أن الكتل النيابية السنية الرئيسية، مثل كتلة الاعتدال الوطني وتكتل لبنان الجديد وكتلة التوافق الوطني، لم تحظَ بأي تمثيل، بل إن أعضاءها عبروا صراحة عن رفضهم لهذه التشكيلة، ما يدل على أن التشكيل الحكومي لم يأخذ بالاعتبار رأي الممثلين الشرعيين للطائفة في المجلس النيابي.

أما على الصعيد الديني، فإن نواف سلام لم يقم حتى اللحظة بأي زيارة لدار الفتوى أو لمفتي الجمهورية اللبنانية، في وقت سارع فيه رئيس الجمهورية الجديد جوزيف عون إلى زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي فور انتخابه، ما يعكس تهميشًا واضحًا للمرجعية الدينية السنية، ويثير تساؤلات حول مدى احترام الرئيس المكلف للتوازنات التقليدية التي يقوم عليها النظام اللبناني.

اختلال التوزيع المناطقي وتهميش الأطراف

بالإضافة إلى غياب الشرعية الشعبية والنيابية والدينية، فإن التمثيل السني في الحكومة المقترحة يفتقر إلى أي توازن مناطقي، إذ إن الوزيرين السنيين الأول والثاني من جبل لبنان، بينما الثالثة وزيرة من طرابلس، والرابع من صيدا. وبذلك، تم تهميش المناطق السنية الأساسية في الأطراف، بدءًا من الجنوب إلى عكار والبقاع وحتى بيروت، ما يعني أن جزءًا كبيرًا من الطائفة السنية مستثنى من المعادلة الحكومية.

هذا التوزيع المجحف يثير تساؤلات حول أسباب هذا الإقصاء، خاصة أن باقي الطوائف والمذاهب نالت تمثيلًا يعكس التوزيع المناطقي والنيابي والشعبي، ما يؤكد وجود ازدواجية في المعايير، حيث تم احترام التوازنات في تمثيل الطوائف الأخرى، بينما جرى العبث بتمثيل الطائفة السنية بشكل غير مبرر.

ازدواجية المعايير وتناقض معايير التمثيل

ما يفاقم المشكلة أن الرئيس المكلف نواف سلام لم يعتمد معيارًا موحدًا في توزيع الحقائب الوزارية، حيث ضمن التمثيل النيابي والشعبي والمناطقي للطوائف الأخرى، لكنه تجاهل هذه المعايير تمامًا عند اختيار الوزراء السنة. فإذا كان مبدأ الحكومة التوافقية يقوم على تمثيل القوى الفاعلة في كل طائفة، فلماذا تم استثناء القوى السياسية السنية من هذا المبدأ؟ ولماذا لم يُعتمد معيار التمثيل النيابي والمناطقي نفسه الذي طُبق على بقية الطوائف؟

إن هذا التناقض في مقاربة التمثيل الوزاري يطرح إشكالية خطيرة تتعلق بميثاق العيش المشترك، حيث إن أي اختلال في التوازن الطائفي أو تهميش لمكون أساسي من مكونات البلد يشكل مساسًا بجوهر النظام السياسي اللبناني، ويهدد بمفاقمة التوترات السياسية والطائفية.

إعادة النظر في التشكيلة الحكومية ضمانًا للعدالة والتوازن

بناءً على ما سبق، فإن التشكيلة الحكومية التي يقترحها نواف سلام لحصة الطائفة السنية تفتقد إلى كل معايير الشرعية:
1. غياب الشرعية الشعبية: إذ لم تحظى التشكيلة المقترحة بتمثيل تيار المستقبل او العشائر العربية او الجماعة الاسلامية او الأحباش .
2. انعدام الشرعية النيابية: حيث تم استبعاد جميع الكتل النيابية السنية الكبرى.
3. تجاهل الشرعية الدينية: من خلال عدم التشاور مع مفتي الجمهورية اللبنانية.
4. الخلل المناطقي: عبر تهميش مناطق سنية رئيسية من الجنوب إلى الشمال والبقاع.

وبما أن الحكومة تقوم على مبدأ التوازنات والتمثيل العادل، فإن من الضروري إعادة النظر في الأسماء المطروحة للوزراء السنة، واستبدالهم بشخصيات تحظى بغطاء سياسي وشعبي ونيابي ومناطقي، بما يتماشى مع ما تم اعتماده عند اختيار ممثلي الطوائف الأخرى. فلبنان لا يحتمل المزيد من الأزمات، وأي حكومة لا تأخذ في الاعتبار الوقائع السياسية والاجتماعية قد تؤدي إلى أزمة ثقة تزيد من حدة الانقسامات في البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى