متفرقات

لوبي سياسي – مصرفي يعمل بين واشنطن وبيروت: نزع السلاح والخصخصة وحماية امتيازات المصارف

كتبت صحيفة “الأخبار”: هل من تقاطع بين المطالبين بنزع سلاح حزب الله والرافضين إقرار خطة جديدة لهيكلة القطاع المصرفي؟
السؤال يصبح مشروعاً لدى التدقيق في هوية المتصارعين حول الملفات المذكورة، ويصبح أكثر مشروعية لدى التدقيق في ما قالته المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس في زيارتها الأخيرة إلى بيروت.
فالخلافات التي خرجت إلى العلن ليست أساساً خارج سياق الضغط الذي يتعرّض له لبنان، في إطار الحرب الإسرائيلية – الأميركية المستمرة، رغم أن الانقسام غير واضح المعالم في كل النقاط، إذ إن قسماً كبيراً من المتقاتلين في ما بينهم الآن، هم في الحقيقة من الفريق القريب من الولايات المتحدة، وتجمع غالبيتهم مواقف معادية للمقاومة وسلاحها. لكن من المفيد فرز المواقف بما يظهر الأمور بطريقة مختلفة.
سياسياً، نجحت الولايات المتحدة في جمع فرق لبنانية متخاصمة على أمور كثيرة، كما هي الحال في الوسط المسيحي، حيث قام تحالف غير متوقّع بين مواقع نفوذ سياسية ومصرفية وإعلامية، يمكن ملاحظته في أداء “القوات اللبنانية” والمصرفي أنطون الصحناوي وإدارة “مجموعة المر” الإعلامية، بالتعاون مع سياسيين ومصرفيين وإعلاميين “يصادف” أنهم يقودون الحملة ضد المقاومة ويطالبون بنزع سلاحها فوراً، ويعملون في الوقت نفسه على قيادة معركة ضد أي رأي مخالف إزاء كيفية التعامل مع مستقبل القطاع المصرفي في لبنان، وحيال مستقبل الاقتصاد اللبناني، وكيفية التعامل مع أصول الدولة.
وفي هذا السياق، تكشف مصادر مطّلعة عن نشاط كبير تشهده العاصمة الأميركية للوبيات ضغط داخل الإدارة وفي الكونغرس، بتعاون مباشر وواضح مع اللوبي الصهيوني، لربط مستقبل لبنان بنزع سلاح حزب الله.
وقد تُرجم التعاون من خلال حملة مشتركة، ظهر أول مؤشراتها في مواقف الحكومة الأميركية الداعمة لمطالب إسرائيل. لكنّ اللافت أن تغييراً – ولو طفيفاً – طرأ، تمثّل في كلام جديد سمعه لبنانيون من أصحاب وجهة نظر أخرى، سواء في واشنطن، أو عبر ما قالته أورتاغوس في بيروت، وهو كلام يهدف إلى مناقشة احتمال تفجّر الوضع في لبنان في حال تكثّفت الضغوط لإجبار الدولة اللبنانية على السير في خطوات عملانية ذات طابع قانوني أو عسكري أو أمني ضد حزب الله.
وبحسب الظاهر، فإن الأميركيين أدركوا، أو اقتنعوا، بأن هناك حاجة أيضاً إلى التعامل مع الملفات غير العسكرية، وهو ما جعل اهتمامات المبعوثة الأميركية لا تقتصر على ملف السلاح والتفاوض مع إسرائيل.
وإذا كان من غير المتوقّع أن تقول أورتاغوس كلاماً مختلفاً في ما خصّ الصراع مع إسرائيل، فقد كان لافتاً تركيزها على مناقشة المشاريع الإصلاحية للحكومة والعهد الجديد.
وهي قالت أمام بعض زوارها إنها تدرك حجم الضغوط التي يقوم بها لوبي مصرفي لبناني في الولايات المتحدة. وهو ما يشرحه بعض زوار العاصمة الأميركية، لجهة أن اللوبي المالي – السياسي الناشط في الولايات المتحدة، يعتبر أنه يسلّف الأميركيين مواقف متقدّمة ضد حزب الله، ويتوقّع في المقابل ألّا تدعم واشنطن البرامج الإصلاحية التي يقترحها فريق رئيس الحكومة نواف سلام، والتي يرى فيها أعضاء هذا اللوبي انحيازاً إلى جهات تريد المس بجوهر النظام الاقتصادي في لبنان، علماً أن فريق سلام أوضح للأميركيين أن ما هو قيد النقاش، يتعلق بتنظيم الآلية الإدارية والرقابية التي تمنع تكرار الانهيار، وأن الإصلاحات ليست مرتبطة حكماً بملف النزاعات الخارجية في لبنان.
ويوضح وزراء قريبون من سلام أن هدف الإصلاحات ضبط الأداء المالي والمصرفي، بما يحفظ حقوق الدولة والناس، ويعيد الاعتبار إلى دور ولو محدود لدولة الرعاية.
غير أن فريق رئيس الحكومة ليس موحّداً كفاية حول هذا الأمر، ناهيك عن الخلافات بين القوى السياسية الأخرى وداخلها كما يظهر في أداء وزراء كثر.
فهناك تباين واضح داخل الفريق الذي يمثّل “القوات اللبنانية”، إذ يظهر الوزيران جو عيسى الخوري وجو صدي في موقع المدافع عن القوانين والاقتراحات التي تعزّز الخصخصة واستخدام أصول الدولة وموجودات مصرف لبنان بطريقة مختلفة، وبما يقود إلى توزيعها على اللبنانيين، في خطوة تحاكي ضمناً الميل التقليدي لهذا الفريق إلى الفيدرالية، حيث يسود وهم بأن توزيع الأصول الخاصة بالدولة يمنع الغالبية المسلمة من السيطرة عليها، في مقابل توجّهات تبدو مختلفة لدى الوزيرين يوسف رجّي وكمال شحادة اللذين لا يبدوان في قلب المعركة الخاصة باللوبي المالي – السياسي.
والحال نفسه ينسحب على وزراء الثنائي الشيعي، إذ يبدو وزير المال ياسين جابر في موقع من يريد إقرار إصلاحات بأقل أضرار ممكنة، ومع مراعاة التركيبة التقليدية التي تعرّضت لاهتزاز كبير، سياسي واقتصادي، خلال العقد الأخير.
لكنّ جابر لا يبدو مصدر قلق للوبي المصارف، فيما يبدو الوزير فادي مكي أقرب إلى وجهة فريق رئيس الحكومة، ولو أن لديه رأيه الداعم لفكرة تعزيز دور القطاع الخاص، وسط صمت بقية الوزراء الشيعة حتى الآن.
أما وزراء رئيس الجمهورية والكتائب والأرمن، فليس واضحاً أن لديهم استراتيجية واضحة وحاسمة، بل هم أقرب إلى فكرة التسويات التي تحصل في اللحظات الأخيرة، لكن مع ميل واضح إلى دعم الخصخصة بصورة أكبر، ولو أنهم يختلفون في ما بينهم حيال الملفات السياسية، ولا سيما ملف سلاح حزب الله، إذ لا يزال الرئيس جوزيف عون داعماً لفكرة التوافق الوطني على أي خطوة تخص سلاح المقاومة، تفادياً لإدخال لبنان في متاهة الحرب الأهلية من جديد.
وعلى هذا المنوال، يجب النظر إلى فريق الرئيس سلام الذي تحمل تركيبته الأمرين معاً. فالوجهة التي يقودها الوزير عامر البساط مدعوماً من الوزيرة حنين السيد، ومن دون معارضة الوزراء طارق متري وغسان سلامة وريما كرامي، ترى أن شكل الإدارة الحالية للقطاعات الاقتصادية والمالية والمصرفية وطبيعتها وأشخاصها، بحاجة إلى تغيير كبير.
ويدعم هذا الفريق تعديلات جوهرية في القوانين الناظمة، لجهة توفير آليات رقابية أكثر فعالية، وهو ما يستفزّ لوبي المصارف، رغم أن هذا الفريق لا يدعم انقلاباً في التوجه العام، ولا يدفع نحو تغيير جوهري للنموذج القائم، وليست لديه تصوّرات استثنائية لدور الدولة في القطاعات الأخرى مثل التعليم والصحة والخدمات العامة.
لكنّ هناك أيضاً تفاوتاً في المقاربة السياسية داخل هذا الفريق نفسه، بين من ينظر إلى ملف سلاح المقاومة من زاوية أنه يمثّل خطراً على لبنان وعائقاً أمام الحصول على رضى الخليج والغرب ودعمهما، ومن يعتقد بأن الملف ليس معزولاً عما يجري من حولنا من تطورات كبيرة في المنطقة، وبالتالي لا يجوز السير في الطلبات الأميركية لمجرد أنها صادرة عن الولايات المتحدة.
وهذا ما يستغلّه اللوبي السياسي – المصرفي لقيادة حملة تحريض ضد هذه الوجهة في لبنان والولايات المتحدة، علماً أن هناك غايات شخصية تقف خلف الحملات على بعض الوزراء، مثل الحملة على الوزير متري، والتي تنطلق من اعتبارات سياسية تتعلق بأنّ الرجل ليس محسوباً على القوى المسيحية التقليدية، ومن طموحات “مجموعة المر الإعلامية” لتولّي مناصب تخص الطائفة الأرثوذكسية.
كذلك تُشنّ حملة ضد الوزير سلامة، تبدو في العلن وكأنها تتعلق حصراً بمقاربته لملف السلاح، ولا سيما بعد مقابلته مع قناة “الجديد” الأحد الماضي، وتأكيده أن نزع سلاح المقاومة مرتبط بعملية كبيرة تتطلب خطوات مدنية تثبت سلطة الدولة، ولا تقتصر على الجانب العسكري فقط.
لكنّ الواقع أن مشكلة اللوبي السياسي – المصرفي مع سلامة تتعلق أيضاً بموقفه من ملف الإصلاحات المالية والاقتصادية، وحديثه عن ثلاثية قوانين السرية المصرفية وهيكلة المصارف وتوزيع الخسائر، وقوله صراحة إن السرية المصرفية بمفعول رجعي ضرورية لأن المطلوب معرفة ما حصل قبل الانهيار في عام 2019 وأثناء الأزمة وبعدها، إضافة إلى إشارته إلى أن في لبنان مصارف غير قادرة على العمل حتى لو أعيدت إليها أموال المودعين من مصرف لبنان، ما يفرض درس أوضاعها واحداً واحداً.
واللافت في هذا السياق، أن “القوات اللبنانية” هي من يقود الحملة المباشرة ضد سلامة، مع العلم أن من يتولّون الهجوم عليه، إنما يقصدون رئيس الحكومة، لكنهم ليسوا في وارد الاشتباك المباشر مع الأخير لأن ذلك سيؤثّر على وحدة الحكومة، كما أنهم لا يريدون تناول موقف رئيس الجمهورية من ملف السلاح بالنقد المباشر خشية الظهور في موقع من يخاصم العهد.
عون: حزب الله يظهر مرونة وعلينا أن نقابله بالإيجابية
قال رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون إنه يتعامل بدقّة مع ملف سلاح المقاومة. وأضاف أمام وفد من كتلة “الاعتدال الوطني” أن حزب الله “أبدى الكثير من الليونة والمرونة في مسألة التّعاون وفق خطّة زمنيّة معيّنة، وأنّ الإيجابيّة لدى الحزب يجب أن نقابلها بإيجابيّة أيضاً”.
وصرّح النائب أديب عبد المسيح المقرّب من رئيس الجمهورية أمس أنّ “السؤال الأبرز في هذا المقام يتمحور حول كيفية وآلية نزع السلاح غير الشرعي، بعيداً من تعريض البلاد لخضّات أمنية سياسية طائفية مناطقية لا تُحمد عقباها”.
وأضاف أن وجهة نظر الرئيس عون تقول: “بعدم تكرار التجارب السابقة التي أثبتت بالوقائع والحيثيات أن سياسة الفرض والإجبار والإكراه لا تأتي بالمطلوب، بل من شأنها سوق البلاد باتجاه فوضى أمنية واسعة النطاق، قد تصل إلى حد اندلاع مواجهات مسلحة لا أحد يعلم أين وكيف تنتهي”.
سلامة: أورتاغوس مهتمّة بالاقتصاد أكثر من العسكر
قال وزير الثقافة غسان سلامة في حديث إذاعي أمس إنه كان لدى المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس “همّان أساسيان خلال لقائها الوزراء في لبنان، الأول عسكري ويتركّز حول نزع سلاح حزب الله وضرورة حصره بيد الدولة اللبنانية وهو شرط أساسي لتدفّق المساعدات إلى لبنان، والثاني يتعلق بالإصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة من الحكومة”.
وأشار إلى “معرفة أورتاغوس الدقيقة بنوع التشريعات التي تنوي الحكومة الدفع بها إلى مجلس النواب ونوع الشروط التي تضعها المنظّمات الدولية على لبنان ومدى تقدّم لبنان أو تأخّره في تبنّي هذه التشريعات”، لافتاً إلى أن “اهتمام أورتاغوس بالجانب الاقتصادي يتفوّق على الشأن العسكري”. وشدّد سلامة على “وحدة الموقف الرئاسي والوزاري في المحادثات مع أورتاغوس”.
وقال: “موقفنا واضح، الجيش يقوم بما يستطيع بالنظر إلى تجهيزاته في عملية نزع سلاح حزب الله”، معتبراً أن “الاهتمام بالناس وإعادة بناء منازلهم يجب أن يذهب بالتوازي مع نزع سلاح الحزب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى