متفرقات

نتنياهو الجريح المنتشي: سيحرق الشرق قبل أن يسقط ويطارد الانتصار من غزّة إلى طهران

‏ ليس أكثر خطرًا من كائنٍ حطّم كلَّ ما حوله ويشعر بنشوة الانتصار لكنّه جريحٌ ومُحاصَر ويعرف أنَّ حياتَه مُهدّدة. ولأنّه كذلك، فإن بنيامين نتنياهو، لن يتوقّف، ولن يتركَ لخصومه في المجال الممتد من فلسطين إلى لُبنان وسورية والعراق واليمن وصولاً إلى إيران، فُرصة التعافي أو التقاط الأنفاس. فكلُّ نَفَسٍ يلتقطه مَن بقي مِن المحور، تهديدٌ له ولمستقبلِه المرصودِ أصلاً للمحاكمة وربما السجن.
‏وليس أكثر تبسيطًا من الاعتقاد بإمكانية اقناع نتنياهو عبر المفاوضات بوقف الحروب والعودة إلى ما كان عليه الأمر قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، فالرجل المُنتشي بانتصاراته ضد حماس والجهاد وحزب الّله، وبتدمير الجيش السوري، وتحييد الفصائل العراقية، والذي يستكمل طريقه ضد حوثيّي اليمن صوب إيران، ليس راغِبًا ولا قادرًا على وقف هذه الحرب ذات الأبعاد الأمنية والأساطير التوراتية والأطماع التوسّعية، قبل استكمال القضاء بالقوّة، وليس بالتفاوض، على كل من يقاوم مشروعه. وهذا هو فقط محور تبايناته العابرة مع الرئيس دونالد ترامب الذي يعرض عليه أن يحقق بالتفاوض مع إيران ما يمكن تحقيقه بمزيد من الحروب، على اعتبار أنَّ الاتفاق مع إيران يعني تحييد كل محورها إلى أمدٍ بعيد، او القضاء نهائيًا عليه.
‏ما يزيد نتنياهو غطرسةً ويُشعرُه بفائض القوّة والثقة بالنفس، هي مؤشرات الضعف والوهن الكثيرة واللافتة التي تصدر عن خصومه. صحيح أنَّ بعض مقاتلي حماس ما زالوا يقومون بعملية هُنا وأخرى هناك، لكنَّ الحركة خسرت الحرب الواسعة، وحماس وافقت غير مرّة على التخلّي عن قيادة غزة، وحزبُ الله يتلقّى الضربة تلو الأخرى دون قدرة على الرد، والفصائل العراقية انكفأت، وسورية انتقلت الى المحور المعادي لمحور إيران، ولم يبق غير الحوثيين يطلقون صاروخًا بعد آخر… لكن إلى متى؟ وأمّا إيران التي شاهدت إسرائيل تقتل كلَّ قادة محورِها من إسماعيل هنيّة ( في عقر دارها) إلى أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وخليفته المُفترض السيد هاشم صفي الدين وقادة الرضوان، تجد نفسها مضطّرة لمفاوضة من قتل القائد الأهم لمحورها في المنطقة الجنرال قاسم سُليماني.
‏منذ حرب 2006 على لبنان والتي كشف تقرير فينوغراد الإسرائيلي أسباب فشل قادة إسرائيل فيها، كانت إسرائيل تعمل أولاً على كيفية تفادي أخطاء تلك الحرب (التواصل بين الجيوش، الاختراقات الأمنية، إجلاء سكان المناطق الشمالية، تصحيح خلل القبّة الصاروخيّة.. الخ)، وتعمل ثانيًا على توظيف التكنولوجيا العالية والذكاء الاصطناعي توظيفًا دقيقًا في هذه الحرب حتى استطاعت مراقبة دبيب النمل. (راجع كتاب حرب الظل بين إسرائيل وإيران لكاتبه الفرنسي أورين شوفيل).
‏لا داعي للتذكير بالأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها المحور، ولا بفائض الثقة بالنفس الذي دفعه للاعتقاد بأنّ نتنياهو لن يجرؤ على شنّ حرب واسعة ضد الحزب والمنطقة، لكنَّ الأكيد أن مؤشرات الوَهَن التي تصدر عن المحور في هذه المرحلة المفصليّة، ضاعفت قناعة نتنياهو بضرورة استكمال فرصة القضاء بالقوّة على كلّ المحور،على اعتبار أنّ هذه الفرصة التاريخية الاستثنائية لن تتكرّر مرّة ثانية.
‏من هنا بالضبط يكبر الخطر، وأشدّ بكثير ممّا يتوقّع كثيرون، فنتنياهو أبلغ من يهمه الأمر من حلفائه الغربيّين إلى أصدقائه الروس، بأنّ المفاوضات ما عادت تعنيه، وأنّ إسرائيل حين انسحبت من جنوب لبنان عام 2000، ” احتل الارهابُ مكانّنا” ( يعني حزب الله)، وحين انسحبت من غزّة عام 2005 ” احتلت المنظمات الارهابيّة أيضًا مكاننا” ( حماس والجهاد)، ولذلك فهو سيُكمل هذه الحرب مهما حصل، طالما لا توجد أي مؤشرات فعليّة لردعه، وطالما اعتبر أن إيران لم تتحرّك بقوّة حتّى حين قتلت إسرائيل ابرز قادة محورها ودمّرت بيئة هذا المحور.
‏ومن لديه شكوك حول حقيقة الدعم الأميركي لنتنياهو، عليه أن يستمع الى ما قاله أمس السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي، حيث اعتبر أن “الولايات المتحدة لم تعد تؤيد بشكل كامل قيامَ دولة فلسطينية مستقلة، وإذا أقيمت دولة فلسطينية فيمكن أن تكون في مكان آخر بالمنطقة بدلاً من الضفة الغربية”. لن يغيّر شيئًا تبرؤ الخارجية الأميركية من هذا التصريح، فهو يُعبّر عن القناعة العميقة عند إدارة ترامب والمناقضة لكثير من التصريحات الرسمية. أليس ترامب نفسُه من قاد حملة تهجير أهل غزّة إلى الأردن ومصر، ويشرّع ضم الضفة الغربية؟
‏نتنياهو يريد من الأحزاب المقاتلة مثل حزب الله وحماس والجهاد وغيرها، أن تستسلم دون قيد أو شرط، وهو يرفع شعار:” استسلموا ولن تسلموا”، والدليل على ذلك أنّه لم يوقف ولن يوقف حربه ضد الحزب، والتي من المُرجّح ان تتصاعد وتيرتها قريبًا، وسيكمل القضاء على حماس. ولذلك تسعى إدارة ترامب إلى الضغط مع حلفائها من الدول الغربية والعربية لرفع مستوى الضغوط على لُبنان لنزع سلاح حزب الله بالتفاوض أو القوّة. والحزب يُدرك تمامًا كحماس، أنّ نتنياهو سيكمل حرب القضاء عليهما حتّى ولو سلّما سلاحهما.
‏يعلم نتنياهو، أنّه لو أوقف الحرب الآن، فالحزب سينتعش، وحماس قد ترمّم أحوالها ولو بصعوبة كبيرة، وإيران ترتاح لو نجحت المفاوضات، وأنَّ الحوثيين سيرفعون شارة النصر، لا بل وسورية أيضًا قد تشهد تطوراتٍ تقلب المعادلة. لذلك بالضبط هو سيُكمل ما بدأه في تحقيق حلم إسرائيل الكُبرى بعد أن أسقط ولفترة طويلة معادلة توازن الردع التي يبدو أنّها لم تكن بالأصل موجودة لأنّ القرار الإيراني بحرب شاملة لم يكن موجودًا.
‏يبقى أمران لا ثالث لهما، إمّا تظهر معجزة عسكريّة عند بعض خصوم نتنياهو تردع تغوّله (وهذا بات شديد الصعوبة )، أو أن تنجح الضغوط العربية والإسلامية والأوروبية (حاليًّا بقيادة السعودية وفرنسا)، في أقناع إدارة ترامب باتخاذ قرار مصيري بوقف الحروب وإقامة دولة فلسطينية واحتواء إيران بالمفاوضات بعد نزع برنامجها النووي (هذا ايضا يبدو صعبا حيث تترنح المفاوضات بشكل لافت هذه الأيام )، لذلك فالخطر الكبير جاسم على صدر هذا الشرق، واحتمالات التفجير ما زالت أكبر بكثير من آمال الصفقات…. وأما الذين يبشرون بالهدوء والطمأنينة، فإنّهم يغرّرون بناسهم. فنتنياهو يُدرك أن هذه هي حربه الأخيرة وفرصته الأخيرة للقول بأنّه حقق حلم إسرائيل الكُبرى حتى ولو احتفل بذلك وهو في السجن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى